مفهوم إدارة الخوف (Fear Management)

عد الخوف (Fear) فى مكان العمل أحد أهم القضايا الجوهرية في المنظمات المعاصرة، ولاشك أنّ موضوع الخوف التنظيمي موضوع شائك، ويأخذ أبعاداً سلوكيةً وإدراكيةً متعددةً، إذ لابد من الأيضاح أنّ هناك اتجاهات متزايدة لدى الكتّاب المهتمين بالإدارة وكذلك المنظمات فى الدول المتقدمة بالأبعاد الدينية أو الروحية فى بيئة العمل، لذا لابد للمنظمات العربية الاهتمام بتوفير بيئةٍ إداريةٍ وثقافة تنظيمية تستمد ممارساتها من الدين الإسلامي الحنيف، وتكون القيم والمعتقدات والسلوك مستمدة من مبادئ وقيم راسخة في بيئة ومحيط المنظمة.
وكما ورد في الأدبيات الإدارية المهتمة بموضوع الخوف في بيئة المنظمات المعاصرة، فإنّ التركيز فيها يستند على البعد بين العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، وإمكانية قيام الرئيس بمعاقبة المرؤوس بناءً على السلطة والقوة الإدارية التى يمتلكها.
ولعل الإعتقاد السائد أنّ كثير من المرؤوسين يظنون أنّ رؤساءهم ومديريهم يعيشون في راحةٍ وسعادةٍ، وأنّهم لا يعرفون الخوف الذي يعرفه كثير من الموظفين، نظراً لصلاحيات المدير الكبيرة وعلاقاته الواسعة، مما يمكنه من العيش مطمئناً هادئ الأعصاب قادراً على الإبداع في العمل ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام، إنّ ذلك الإعتقاد خاطئ تماماً، فالواقع في العالم الثالث خاصةً، وفي العالم عامةً، هو أنّ المدير أكثر خوفاً وأقل سعادةً من الموظفين، خاصةً أنّ نجاح القسم الذي يديره ينعكس على سمعته، ويحسب له، ويؤهله للترقي إلى مناصب أعلى.
مفهوم الخوف:
يعرّف الخوف بأنّه نوع من الشعور أو العاطفة الذي يتولد من خلال سلسلةٍ من الأفكار، التي تتراكم لتكون صورةً أو وضعاً معيناً، لا يريد الإنسان حدوثه أو الوصول إليه، وفي أثناء ذلك يبقى الإنسان قادراً على التصرف لأنّ الشعور منفصل عن القدرة على التصرف، وكلما كان التركيز منصباً على ما يريد الشخص حدوثه كلما كان التصرف طبيعياً والعكس صحيح، ولكن هناك صور كثيرة يظهر فيها الخوف ليعمل كعائق يمنع الفرد من التقدم وتحقيق أهدافه.
أمّا الخوف التنظيمي، فهو شعور طبيعي ملازماً للفرد داخل أية منظمة إدارية مهما كانت الظروف الاجتماعية فيها، بسبب الإقالة أو النقل أو المساءلة، بحيث يختلف نوع الخوف ودرجته من منظمةٍ إداريةٍ إلى أخرى.
أسباب الخوف التنظيمي:
تتعدد أسباب خوف التنظيمي في بيئة العمل، ومن أبرز الأسباب التي تستدعي الخوف من من جهة المدير أو الموظف ما يلي:
1.ضعف القدرة الشخصية والتخصصية:
قد يكون المدير أو الموظف ذا شخصية أضعف في الواقع من المنصب المسند له، وأقل قدرةً على المواجهة واتخاذ القرارات القوية التي هي ضمن صلاحياته، وهذا النوع من الأفراد يفضحه المنصب الذي أسند إليه، ويشعر المراقبون الأذكياء بأن المنصب أكبر منه، وتتضح معالم الخوف جلياً في بطء الإنتاج، وتأخر انجاز المعاملات، فضلاً عن انعدام الإبداع والإبتكار، مما يجعل العمل في قسم يديره مثل ذلك المدير، يسير ببطءٍ شديدٍ، وينعكس هذا على معنويات المرؤوسين فيعتادون على بطء الإنتاج، والخوف من تقديم الإقتراحات النافعة والإبتكارات الجريئة لتطوير العمل ومضاعفة الإنتاج.
2.الخوف من الإقالة أو الإحالة على التقاعد المبكر أو النقل
وقد يكون المدير أو الموظف الخائف هنا قوي الشخصية قادراً على ممارسة كامل صلاحياته وحمل المسؤولية ولكنه يخشى على منصبه، ولايريد ما يثير لديه المشكلات في العمل، أو ما قد يغضب المديرين أو الزملاء منه، وسلسلة الخوف هذه، إذا استحكمت، تشكّل حلقةً مفرغةً مفزعةً تحد من الانجاز الجاد والإبداع في العمل، وتؤخر القرارات الهامة كثيراً لخضوعها للتشاور الطويل المسكون بالخوف من المحاذير، وقد تؤجلها كثيراً أو تلغيها تماماً، مما يؤثر سلباً على سير العمل ومن يستفيدون منه.
طالع ايضا: أكبر 15 شركة للتكنولوجيا في العالم ، حسب القيمة السوقية
أنواع الخوف التنظيمي:
يشمل الخوف التنظيمي أنواعاً عديدة، وهي: الخوف من التغيير، والخوف من أخذ المخاطرة، والخوف من المسؤولية، والخوف من المحاسبة أو المساءلة أمام شخص أو جهة أخرى.
أولاً: الخوف من التغيير (Fear of Change)
إنّ التغيّر هو العملية التي بواسطتها يغزو المستقبل حياتنا، ويجب أن تعالج بحذرٍ، فإنّ “صدمة المستقبل” ليست تهديداً بعيداً، ولكنها حقيقة تؤثر بشكلٍ متزايدٍ على أعداد كبيرة من سكان العالم، إنّها وضع بيولوجي نفسي وصفه الفين توفلر (ALVIN TOFFLER) ، بعبارات طبية ونفسية وثيقة الصلة بالموضوع، بأنّه مرض التغير، وتظهر هذه الحالة بشكل أكثر حدة في علم الإدارة الذي يخضع لتغيرٍ سريعٍ من حيث الإبداع والتطبيق والاستخدام لتلك المهمة وتطبيقاتها المتنوعة بشكلٍ كبيرٍ في جميع المنظمات في كافة أنحاء العالم.
إنّ التغييرات الهائلة والمتسارعة تحتم على المنظمات الإستعداد وتقبل التغيير، ولاشك أنّ أسلوب الإدارة الفعّال في عملية التغيير يلعب دوراً أساسياً في تقليل درجة المخاوف لدى الأفراد في التنظيم، فالخوف يرتبط بالتغيير، حتى وإن كان التغيير في كثير من الأحوال يتجه نحو الأفضل وبصورةٍ إيجابيةٍ، ولعل الخوف في إحداث التغيير، ينبع من طبيعة الإستراتيجيات التي يتم إتباعها عند التغيير، وهي ما يلي:
1.إستراتيجية التغيير المتدرج: هي إستراتيجية فعّالة للتعامل مع التغيير بشتى أنواعه، وتتأثر بعوامل مهمة كمهارات العاملين، ورغبة العاملين بالمشاركة، وثقافة المؤسسة.
2.إستراتيجية التغيير البنوي: هي إستراتيجية تغيير جذرية، إذ تصبح المؤسسة شيئاً جديداً، وتهدد هذه الإستراتيجية أمن العاملين بسبب إعادة التوظيف والتنظيم الهيكلي. والشكل التالي يوضح هاتين الاستراتيجيين والأسلوب المتبع لكل إستراتيجية.
ثانياً: الخوف من أخذ المخاطرة (Fear of Holding Risk)
تعرّف لمخاطرة بأنهّا الإستعداد والقابلية على المجازفة والمبادرة ببناء شيء من لا شيء تقريباً، والإنتباه للفرص حين لا يراها الآخرون، واكتشاف مصادر الموارد وجمعها واستغلالها الإستغلال الأمثل، والقدرة على تشكيل فريق يكمل القدرات والمواهب الذاتية مع الإستعداد للمخاطرة المدروسة وعمل كل ما هو مستطاع لجعل الاحتمالات إيجابية، فالأشخاص المخاطرون هم أفراد مميّزون يعرفون كيف يستغلون الفرص الاقتصادية المتاحة حتى في أصعب ظروف العمل.